عطر امرأة

عطر امرأة

ملحمة تمثيلية

والبطولة للحوار

لقطة من الفيلم

هذافيلم  لا توجد فيه كميات مهولة من الدماء  ، ولا توجد فيه نساء يستعرضن ظهورهن  العارية وأجسادهن الرشيقة ,  بين كل لقطة وأخرى، ولا توجد فيه لقطات (مناظر ) مثل تلك التي دفعت (شهبور) و (يوسف) للإسراع بدخول السينما كما حدث في فيلم (المنسي) لشريف عرفه وان خاب املهما  .وهذا فيلم لا توجد فيه أيضا قصة حب تستدر الدموع من فرط رومنسيتها وأحزانها ,  كما لا توجد فيه استعراضات مبهرة  , وديكورات فخمة، ورغم كل ذلك فقد استطاع أن يحصد جائزة الأوسكار لأفضل ممثل، هذا غير أربع جوائز (غولدن غلوب). إنه (عطر امرأة) أخراج (مارتن بريست) وبطولة (ال باشينو) و(كريس آودونيل) من إنتاج العام  .1992 .

شخصية مركبة

فى (عطر امرأة) يقدم آل باتشينو دور حياته ، في ملحمة اداء تمثيلية تستحوذ على كل أنتباهك من الوهلة الأولى حين يجسد شخصية مركبة من تلك الشخصيات الخالدة في تاريخ الدراما ، ويمكن وضعها في مصاف ( الملك لير) و (ماكبث) ، هذه الشخصيات الشكسبيرية الخالدة ،  التي  رغم بساطتها ، تأتيك وهى مفعمة بالطموح والتحدي ، ودائما ما تسعى للتغلب على ضعفها وعجزها، إنها ترغب دائما في امتلاك الحياة ,  ولها حكمتها الخاصة المتفردة .

في (عطر امرأة) يلعب آل باتشينو شخصية العميد المتقاعد  فرانك سلاد الذى فقد بصره خلال الخدمة ،  ويعيش خاملا وحيدافي شقة ملحقة ببيت قريبة له . يمضي سلاد أيامه في
تناول الشراب والأستماع إلى الموسيقى لكي ينتصر على وحدته , وفي حالات الضيق يجد نفسه متقمصا لشخصيته القديمة فيبدأ في إصدار الأوامر والصراخ في وجوه من حوله وتراوده أحلام اليقظة  بالعودة إلى حياته في الأيام الخوالي . .
يحدث أن تذهب قريبة (فرانك) لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في شأن من شؤونها ، وتوظف الطالب ( تشارلى ) الذي جاء ليقدم خدماته مقابل بعض المال الذي يعينه على مواجهة الحياة كطالب مفلس وملتحق بكلية لا يدخلها إلا الأغنياء. لكي يسهر على شؤون قريبها الأعمى . رغم سوء المعاملة التي يلقاها (شارلي) في البداية من قبل (فرانك) ألا أنه سرعان ما تنشأ  بينهما علاقة تفاهم وتعاطف . كل منهما يحتاج إلى الآخر. الأول بحاجة لمن يعيد إليه الأمل في الحياة. والثاني بحاجة لخبرة الآخر والتعلم منه ، ربما لان   (فرانك) لا يملك البصر ، إلا أنه يملك البصيرة. خلال نزهة إلى نيويورك، يتعارف الأثنان أكثر ويبدأ(فرانك) في تعليم (شارلي) كل حيلة التي مارسها كرجل يجيد التعامل مع النساء  , كما يعلمه أيضا تلك الميزة في معرفة «عطر المرأة»التى تكون بمواجهته . (آل باتشينو) و(كريس أودونيل) أو (فرانك)و(شارلي) هما شخصيتان متناقضتان في الظاهر، إلا أنهما متوحدتان بالرمز، الأول أعمى لا عائلة له لكنه قوي جدا في الظاهر. والثاني تلميذ جامعي مفككة أسرته يضطر للعمل كمساعد للأعمى ليصير بعد قليل عينيه اللتين يرى من خلالهما. في نيويورك يفاجئنا فرانك بانه يخطط للأنتحار بعد التمتع بملذات الرحلة أو ملذات الحياة ، كما يفهمها ، أو كما أدركها بعد مرور السنين، وهي النوم في فنادق فخمة ، وتناول الطعام في مطاعم فاخرة ، ومرافقة نساء جميلات.

صداقة جميلة

وشاية وأعتراف

مع تدفق الاحداث نعرف  أن الطالب  (شارلي) متورط كشاهد مع صديقه مو وهو أبن لعائلة كبيرة بمشاهدة مجموعة من الطلاب يسيئون إلى عميد الكلية التي يدرس فيها ، ويطلب منهما الاعتراف على هؤلاء ولكنهما يرفضان إلى حين تشكيل محكمة داخل أسوار الجامعة مهمتها إجبارهماعلى التعرف على المسيئين، يحضر أبن العائلة الكبيرة مع والده المحامي ويحضر (شارلي) وحيدا مهددا بالطرد من الكلية من قبل عميد الكلية إذا لم يعترف. ويقدم الأول شبه اعتراف. لكن شارلي يرفض ذلك لأنه لا يقبل الوشاية بأحد. وهنا يتنامى الموقف الدرامي صعودا حيث يصل (فرانك) ويتدخل بخطاب طويل ، ويقوم بالدفاع عنه في مرافعة شيقة تحوز على إعجاب الجميع وتنجح في الحصول على براءة (شارلي). وكما يساعد (شارلي) (فرانك) من قبل في تجاوز محنته ومنعه من الانتحار، يساعد (فرانك) (شارلي) وينقذه من الوقوع كفريسة سهلة لقوانين التعليم البالية ولوجهات النظر المتوارثة والمقولبة في التعامل مع الآخرين دون مراعاة لطبيعة الروح الإنسانية.

.في فيلم (عطر امرأة) يبدو (آل باتشينو) مسرورا بالشخصية إلى حد الجنون ,  وفي كل مشهد تجد نفسك مبهورا بمقدرة هذا الممثل حتى تجد في النهاية إنك تنسى تماما (آل باتشينو) بعد أن تحولت قدراته التمثيلية المبدعة إلى تشكيل شخصية (فرانك) كلحم ودم بكل ملامح شخصيته المتناقضة  , ويلعب (باتشينو) الدور بشكل يختلف عن (فيتوريو غاسمان) الذي قام بتجسيد شخصية (فرانك) من قبل وأستطاع أن يعيد صياغة القصة  , وأختصر الحضور النسائي ,  وأضاف الكثير من الملامح لشخصية (فرانك)،

حركات محسوبة

في (عطر امرأة) الجديد حرك المخرج مارتن  بريست بقية الممثلين من خلال إيقاع هادئ. واستخدم اللقطة الطويلة ذات المونتاج الداخلي للإيحاء بالجو النفسي للشخصية  , واستخدم اللقطة العامة كثيرا للإيحاء برحابة المكان حول شخصية لا ترى.. وتحركت الكاميرا حركات محسوبة للتعبير عن الحوارات المطولة بين(فرانك) و(شارلي) . فقد كان الحوار هو البطل الرئيسي في المشهد الفيلمي. وأتصور أن الفضل الأول والأخير في نجاح الفيلم هو ذلك الأداء الرائع لممثل عبقري أسمه «آل باتشينو» وكان له أن يفوز بجائز الأوسكار بجدارة .

عماد النويرى

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s