المليونير المتشرد


المليونير المتشرد
بين الواقعية المفرطة
ونشر الغسيل القذر


حاز الفيلم البريطاني – الهندي (المليونير المتشرد) للمخرج البريطاني داني بويل،الذى تم تصويره في بومباى ,  عشرة ترشيحات لجوائز الأوسكار وفاز بثمان جوائز  للموسم 81 العام 2009 ، ويذكر أن الفيلم قد حصد أربع جوائز في مسابقة الغولدن غلوب : أفضل تصوير وإخراج لمخرجه داني بويل، السيناريو لمؤلفه: سيمون بيوفوي ,التمثيل لديف باتيل، والتأليف الموسيقي لآايه .ر. رحمان.وفاز الفيلم تباعا ب 37 جائزه  في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم . هذا غير قدر كبير من اثاره الجدل في الأوساط النقدية كلما عرض الفيلم هنا او هناك .
سيناريو الفيلم صاغه سيمون بيوفوي ( سبق أن رشح لجائزة الأوسكار العام 1997) عن رواية (سؤال وجواب) الذائعة الصيت للروائي والدبلوماسي الهندي فيكاس سوارب والتي كانت الأكثر مبيعا في العديد من الدول وترجمت إلى 36 لغة، وحازت العديد من الجوائز الأدبية والثناء النقدي، وقد اعتمد المخرج على آلية الاسترجاع (الفلاش باك) بوصفها الآلية التي تربط زمنياً بين حياة جمال مالك المراهق الهندي الفقير الذي تربى ونشأ في حواري بومباي ليصبح فجأة محط أنظار الملايين في الهند عندما نجح في الوصول إلى المرحلة النهائية في مسابقة برنامج (من سيربح المليون) ,  وفي لحظات الانتظار للإجابة عن كل سؤال يعود البطل الصغير لتذكر حادثة معينة حدثت خلال حياته ,  وتتراكم الأسئلة ومعها تتراكم الذكريات المؤلمة التي تجسد مراحل الحياة التي مر بها جمال منذ الطفولة المبكرة، وحتى جلوسه أمام مذيع البرنامج ,  وتدريجيا نتعرف على الكثير من طبيعة المجتمع الهندي والكثير من الصور التي تشكل إطلالة مهمة على واقع مأساوي مشحون بالظلم والقسوة . .
وضمن ذكريات جمال المتدفقة المتزامنة مع حالة التشويق التي يصنعها البرنامج التلفزيوني الشهير نتعرف على قصة حب جمال لفتاة هندية تربت معه وشاركته أيام الشقاء واليتم. وفي الليلة السابقة على ختام البرنامج يتم اختطاف جمال للتحقيق معه بعدما اثار الشبهات حوله فكيف لشاب صغير فقير تربى في الشوارع  , ولم يتلق قسطا كافيا من التعليم ,  الإجابة عن كل أسئلة البرنامج التلفزيوني.
المخرج داني بويل نجح إلى حد كبير في تقديم معالجة مرئية لسيناريو مشوق ومحبوك بطريقة أحترافية، ورغم أن عبقرية جمال في قدرته على الإجابة عن أسئلة بدت في بعض الأحيان وكأنها أعدت خصيصا لتتلاءم مع ذكرياته فإن اللغة البصرية للمخرج غطت على الثغرات الموجودة في السيناريو من خلال الانتقالات السريعة للقطات والمشاهد والقدرة على توظيف الإضاءة وزوايا التصوير والأداء التمثيلي المقنع لأبطال الفيلم، وهنا إشارات لابد منها إلى الممثل الشاب ديف باتل في دور جمال , مدهور ميتال في دور سليم ولاننسى المشاركة المهمة للممثل الهندي العالمي الراحل عرفان خان . ، كل هؤلاء استطاعوا بنجاح تجسيد أدوارهم ونجحوا في التعبير بالأداء الخارجي والداخلي عن الشخصيات المرسومة لهم 
وهناك اشارة المونتاج نجح في التنقل بنا بين زمن وزمن ,  وبين فلاش باك وآخر  , وبين مشهد ومشهد بإبداع شديد، وربما ساهم عمل المونتير كريس ديكنز والمخرج داني بويل كل على حدة سابقاً في أفلام التشويق والرعب في سيطرتهما على إيقاع الفيلم المشوق.

يذكر ان مظاهرات رافضة للفيلم خرجت أمام بعض دور العرض الهندية وحملت لافتات مكتوبًا عليها (لا لتشويه صورتنا في هوليوود)، حيث إن الفيلم إنتاج أميركي بريطاني، بينما قادت بعض الصحف الهندية حملات مضادة للفيلم منذ بدء عرضه تهاجم صانعيه وتشويههم لصورة الشعب الهندي.
وعلى مدونته عبر الإنترنت ترك الممثل الهندي الشهير أميتاب باتشان تعليقا أن الفيلم ينشر الغسيل القذر للهند ولدول العالم الثالث، إلا أن باتشان عاد لينفي ذلك الهجوم على الفيلم، مؤكدا أنه لم يكتب هذا التعليق، وربما تركه أحد الزائرين للمدونة، مؤكدا أنه تلقى ردود أفعال سلبية وإيجابية أيضا نحو الفيلم، قام بتسجيلها على المدونة ولكنها لم تكن تعبر عن رأيه هو بل عن رأي أصحابها..
في حين دافع المخرج البريطاني داني بويل عن فيلمه، مؤكدا أنه التزم بالواقعية في تقديم حياة مراهق هندي وكيفية معيشته في الشارع، وأضاف: إن الآراء المتشددة نحو الفيلم منعت نفسها من سماع الحقيقة ورؤيتها خلال الأحداث، وإذا كان الفيلم مظلما أو كئيبا في تصويره للحياة في الهند، فإنني أتمنى العودة لمومباي مجددا لتقديم فيلم كئيب فعلا.

طبعا لا نتمنى أن يعود المخرج إلى الهند ولا أعتقد ان الفيلم كئيب إلى هذه الدرجة، وانما يقدم صورة ضمن مئات الصور التي يمكن أن تقدم عن الواقع كما هو دون عمليات تجميل كبيرة.
.
فيلم المليونير المتشرد يمكن أعتباره واحدا من الأفلام التي تصور العشوائيات الفقيرة في الهند، وهو لايفعل ذلك بغرض التشوية أو الانتقام، وإنما يحاول الأنتصار للفقراء والمعدمين الذين لا يفقدون الأمل، مهما كانت قسوة الحياة. هذا رغم تحفظنا أن الحل لمشاكل هؤلاء الفقراء من الممكن أن يأتي دائما عن طريق المسابقات.


عماد النويرى

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s