أصحاب ولا اعز
بين (اندر مريم ) ..و( أجندة ) بكرى

حصول فيلم ( ريش ) على جائزة مهرجان كان 2021 ، والجدل الذى ثار بعد عرضه في مهرجان الجونة ، ونتف الفيلم ومخرجه حتى اخر ريشه ، كان هو الحدث الأبرز سينمائيا خلال الربع الأخير من العام الماضي ، وكما يبدو فإن فيلم ( أصدقاء ولا اعز ) سيكون الشغل الشاغل لمواقع التواصل لفترة قد تطول خلال الربع الأول من هذا العام ، رغم ان الفيلم الأخير لايحمل توقيع أتناجى من أية سينما عربية لأنه أول أنتاج سينمائي عربي لمنصة نتفلكس التي تقدم عروضها مثل منصات كثيرة أخرى ، لمشتركين يدفعون ثمن المشاهدة ، ويبدو أن منفذي الإنتاج ( كما جاء في تترات البداية ) ثلاثة من ابرز الأسماء المهمة في عالم الإنتاج السينمائي العالمي والعربي الان وهم شركة ( فرونت رو ) ولها سمعتها الجيدة في دعم أنتاج الأفلام المستقلة . والكويتي هشام الغانم وهو الرئيس التنفيذي للشركة العالمية للتوزيع ، ومحمد حفظى مؤسس وصاحب شركة ( فيلم كلينك ) . وأرى في ما أرى ان ( ريش ) و( أصدقاء,, ) بينهما صلة وثيقة فكلاهما يمثل صدمة من حيث تفرد الشكل والمشهدية السينمائية في ( ريش ) وجرأة الموضوع ، ومباشرة وصراحة مايطرحه من أفكار ورؤى تخص تفاصيل الثوابت التي تربى عليها وعى المشاهد العربي في ( أصدقاء ..) .
سهرة أفتراضية
الموضوع في ( أصحاب .. ) يتركز حول مجموعه من الأصدقاء وزوجاتهم يتجمعون في أمسية في بيت أحدهم لمشاهدة خسوف القمر ، والقمر قد يكون معادلا للنور والنقاء ، وبمرور الوقت تتصاعد الأحداث لننتقل مع تدرج الخسوف إلى الجانب المظلم من القمر. ومن خلال لعبة مواجهة المكالمات والرسائل التي تأتى بها هواتفنا النقالة على الطاولة أمام الجميع ، وعلى المكشوف ، تبدأ الاسرار والخبايا في التكشف تباعا ، ونكتشف أن الظاهر غير الباطن ، وأن العلاقات التي تبدو أمام الناس صحيحة وصحية انما هي علاقات مريضة وينخر في عظامها السوس والعفن . فواحد من الأصحاب نكتشفأ أنه يخون زوجته ويخون صديقه. وزوج أخر يهجر زوجته ، ويتسلى بمشاهده الصور والأفلام العارية ، بينما زوجته ( مريم ) تخونه مع رجل اخر تعرفت عليه على الفيس بووك ، وتنتقم لأنوثتها المجروحة بالامتثال لما يطلبه منها الرجل الذى لم تقابله بعد بأن تخلع (الاندر وير) ، ربما كتعبير عن رغبتها الجنسية المكبوتة . والصديق الثالث نكتشف انه مثلى . أما صاحب البيت الذى يتجمع فيه الأصدقاء والذى أكتشف أن زوجته تخونه مع صديقه ، ولم يحرك ساكنا ، فإنه يدخل في محادثة مع أبنته المراهقة لكى يقنعها باتخاذ قرار لرفض دعوة صاحبها بعدم المبيت معه !! ( في المشهد الافتتاحي عرفنا أن البنت كانت تخبآ بعض الواقيات الذكرية ، ورغم أن الام تخبر الاب بذلك فاته يستقبل الخبر ببرود ورحابة صدر !! , وفى نهاية الأحداث ينتهى الفيلم بظهور القمر مرة أخرى ، ويودع الجميع الجميع ، وكأن شيئا لم يحدث ، وكأننا كنا في سهرة أفتراضية مثل مواقع التواصل ، ربما حدثت وربما لم تحدث
ثوابت ومحظورات
( الفيلم السيناريو ) يقدم ومن خلال الحكاية المكتوبة وشخصياتها وتفاصيلها توليفه عامرة بكل المحظورات والممنوعات على قوائم الرقابات العربية ، رغم أن بعض هذه الممنوعات ، ومنها المثلية الجنسية ، فقد تم التطرق اليها في بعض الأفلام المصرية على أستحياء كما حدث في ( حمام الملاطيلى ) ، و( قطة على نار ) ، و( اسكندرية كمان وكمان ) ، و( عمارة يعقوبيان ) . وعموما اتسع أكثر من مرة هامش الحرية الرقابية في الأفلام اللبنانية والتونسية والمغربية للغوص أكثر في موضوع الخيانات الزوجية ، ولعل السينما المصرية كانت سباقه في هذا المجال عندما ناقشت هذا الموضوع بحرية وبوعى كبيرين في فيلم ( الرباط المقدس ) .وبخصوص الالفاظ السوقية الإباحية ( وكأننا لانتلفظ بتلك الالفاظ في حوارنا اليومى )! فقد سبق فيلم ( بيروت الغربية ) جميع الأفلام العربية في تقديم جرعة’ موظفه دراميا من الالفاظ الخادشة للحياء . ولا يعنى ذلك الموافقة على ماتم طرحه ( رغم وجود الكثير منه في الواقع الفعلي ) فقد اشرنا من قبل أنه لامفر من استقبال كل الأفكار والاطروحات المغايرة لثوابتنا ومعتقداتنا ، رغم أن الكثير من هذه الثوابت في ظل تحولات حضارية كثيرة ، يحتاج إلى تجديد وإعادة تقييم . واذا كان المنع أو التهديد بالمنع أو فرض رقابه على السماوات المفتوحة ، أو تقديم أتهامات جاهزة تدور حول أجندات مسبقة النية لهدم القيم وثوابت الامة أصبح نوعا من العبث نمارسه أحيانا كنوع من المزايدات الرخيصة . فإن الحل يكمن في تحصين معتقداتنا وأفكارنا من خلال أخذ جرعات من فاكسينات تقبل الاخر كما هو ( وهو ماندعو اليه على كل المستويات ) ، ومناقشة هذا الاخر بهدوء وفهم ، بدلا من القاء التهم بالتامر والعمالة ، وهى حجة الضعيف الذى لايثق أبدا في ثوابته ومعتقداته
مساحة داخلية
ويتبقى بعض الإشارات التي لابد منها ، فرغم أن الفيلم تدور أغلب أحدائه في مساحة داخلية صغيرة ومحددة ( وهو تحد فنى حقيقي لاى مخرج ) ، فقد نجح وسام سميرة في أولى تجاربه الاخراجية ، ومن خلال مونتاج ذكى وأداره واعية لبقية مفردات العمل السينمائي ، أن يقدم الممثلين في أفضل أداء تمثيلي ممكن ، وتميز جورج خباز ونادين لبكى وعادل كرم ، كما قدمت منى زكى واحدا من أفضل أدوارها السينمائية
عماد النويرى
