حقائق وأوهام
السينما العربية
نقاش وشروط

من الممكن طبعا الدخول في مناطق نقاشية، وجدلية، عن الشروط الواجب توافرها ، لكي تصبح السينما العربية… عربية!!، بداية من وحدة الهدف، مرورا بالروابط المشتركة، وصولا إلى الملامح السائدة في العقل العربي.
ويمكن الحديث عن مشروعات في نهاية السبعينيات لإنشاء مدن عربية لصناعة الفيلم لم يكتب لها النجاح. ويمكن الإشارة كذلك إلى العديد من المشروعات الطموحة على مستوى وزراء الثقافة والإعلام العرب لإنشاء شركات عربية لإنتاج سينما عربية لمواجهة السينما الصهيونية، ونذكر هنا المشروع الطموح الذي نادت به الجامعة العربية مع بداية السبعينيات. ويمكن مرة ثانية الإشارة إلى الكثير من التجمعات، المؤتمرات، الصيحات، الندوات، المهرجانات، التوصيات، البحوث، والدراسات، التي كان محورها ضرورة النظر بشكل جدي إلى دور السينما في بلاد العرب في عكس وتوضيح ومعالجة الحياة العربية المشتركة. وللمرة الثالثة يمكن الإشارة إلى كل الحركات الشبابية وغير الشبابية، التي دعت إلى تأكيد الهوية العربية للفيلم العربي، بداية من حركة السينما الجديدة التي ظهرت عقب هزيمة، 67 مرورا بمهرجان دمشق، وصولا إلى دعوات السينمائيين المستقلين التي تظهر وتختفي خلال العقود الأخير. لكن وكما يبدو فإن كل ذلك لم يحقق الأحلام المرجوة.
على مستوى الصناعة ورغم محاولات تحديث التقنية السينمائية هنا وهناك ما زالت اغلب الافلام العربية تعانى اشد المعاناة من صورة ضعيفة، وصوت غير مسموع، وعرض على شاشات غير صالحة.

وعلى مستوى التجارة مازال الفيلم العربي وحيدا غريبا لا يلقى الترحيب والاهتمام في أسواق التوزيع العربية، فحتى هذه اللحظة لم يعرض فيلما تونسيا في دار
عرض مصرية بشكل تجاري. ولم يعرض أي فيلم سوري، في أي دار خليجية ويكفي أن نذكر أن أسواق التوزيع العربية مفتوحة على مصراعيها للأفلام
الأميركية والهندية، ولا توجد أية خطط لتشجيع انتشار الفيلم المصنوع في بلاد العرب للعرض داخل وخارج بلاد العرب. ولنا أن نتعرف على حقيقة مفجعة هي أن نسبة الأفلام الأميركية والهندية المعروضة سنويا في البلاد العربية تزيد عن 80 بالمائة من إجمالي الأفلام المعروضة.
وعلي مستوى الفن حدث ولأحرج عن فيلم يقع أسيرا للأفكار المستهلكة التي تدور حوادثها في إطار من الكوميديا الرخيصة، أو الأكشن الفقير، ونعرف أن قوانين الرقابة ومحاذيرها ثقف بالمرصاد لأغلب المحاولات الإبداعية التي تحاول تجاوز السائد للتحليق خارج السرب، وغنى عن القول إن الإبداع مرادف للحرية.
وعلي مستوى الفن أيضا فإن أغلب المخرجين الذين حاولوا وأصروا على تقديم سينما تغوص في التراث العربي، وتستلهم روح وكيان الأمة العربية، فإن أغلب هؤلاء تم نفيهم أما داخل بلادهم، أو خارج حدود الوطن، مثل ميشيل خليفا وناصر خمير، وقاسم حول وغيرهم. وهنا نذكر تجربتي ناصر خمير (طوق الحمامة المفقودة) و (الهائمون).
ليست كل الأمور بهذا السوء وإنما يمكن الإشارة إلى الكثير من العلامات المضيئة في الطريق من خلال مناريه في رغبة بعض البلدان العربية لتجاوز الواقع السينمائي الموجود حاليا من خلال الحرص على إنشاء مدن سينمائية كما في المغرب، أو إنشاء أستوديوهات عصرية كما في دبي، أو إنشاء مدن إعلامية يمكن توظيفها سينمائيا كما في مصر. أو إنشاء هيئات ولجان للفيلم كما في دولة الإمارات العربية، لكن التجارب الفردية لأتصنع كيانات سينمائية عربية بحجم الطموح والآمال.
المشروع السينمائي العربي متعثر وربما لا وجود له، ذلك لأن المشروع السياسي العربي متعثر هو الآخر مثله مثل بقية المشاريع العربية المشتركة.
الحديث عن وجود فيلم عربي ضمن مشروع سينمائي عربي يعتبر في واقع الأمر حديثا تغلفه الأوهام، ولا يستند إلى حقائق الأمور .
عماد النويرى
