خناجر طائرة

(بيت الخناجر الطائرة)

سماع  الصورة ومشاهدة  الموسيقى وعشق الألوان.

براعة في الأداء وتوظيف للمكان

لقطة من الفيلم

مثل فلليني في إيطاليا، وكارلوس ساورا في أسبانيا، وجودار في فرنسا، وكيروساوا في اليابان، يمكن ذكر اسم المخرج زانج يمو كواحد من أهم المخرجين الذين وضعوا السينما الصينية على خارطة العالمية، وهو مثل غيره من المخرجين العظام استلهم تراث بلده الضارب في جذور التاريخ ليقدم صورة معاصرة عامرة بالأساطير والحداثة في الوقت ذاته وحاول ويحاول جاهدا أن يرسم من خلال مفرداته السينمائية العديد من الصور التي تهدف لأن تكون معادلا للموسيقى الخالصة، بمعنى أنه يرغب أن يرى المشاهد الموسيقى، وأن يسمع الصور، وما أصعبه من هدف نبيل.

ولادة ودراسة

ولد زانج يمو في مدينة شيان بالصين عام 1951 ،  في أسرة لا علاقة لها بالفن  ، وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية عمل لفترة في الريف وفي بعض المصانع  ، وفي عام 1978 تقدم لدراسة السينما  ، وبعدها بعشرة سنوات عام 1988 حصل فيلمه (الذرة الحمراء) على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي  ، وبعدها انطلقت السينما الصينية إلى مجال العالمية  ،  وحينها  ، أكد زانج يمو موهبته عندما فاز فيلمه (كي نعيش) على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي العام 1994 ،  وتتابعت أفلامه التي جذبت انتباه المشاهد في كل مكان  ، وكان منها (الطريق إلى الوطن) و (ليس أقل من واحد) و (الوقت السعيد) و (البطل) ثم (بيت الخناجر الطائرة).

ملصق الفيلم

بساطة وشجاعة

في فيلمه (الذرة الحمراء)  ، نجح يمو في تصوير البساطة والشجاعة في روح الأمة الصينية  ، وعلى هضبة التراب حيث الامتداد اللامتناهي تغطى حقول الذرة مساحات شاسعة وعندما تهب الريح تبدى الذرة قوتها ،  وكعادته في توظيف الألوان أكد يمو على أن الأرض الصفراء هي رمز للبساطة ،  والحقول الخضراء رمز للقوة ومشروبات الذرة الحمراء هي رمز لدماء الأمة ،  أنها ثلاثة ألوان تعكس روح الأمة الصينية. وفي فيلمه (كي نعيش) يصور مانح يمو اجتهاد وصلابة الأمة الصينية من خلال قصة شاب ثرى يبيع ما يملك بسبب القمار لكنه يقلع عن هذه العادة السيئة ويستطيع أن يوفر لقمة العيش لأسرته بعد أن يواجه العديد من الصعوبات ويعرف البطل الشاب أن هناك أملا في الحياة ما دمنا نحيا. وفي فيلم (البطل) (حقق أكبر نسبة من شغل المقاعد ضمن الأفلام غير الناطقة بالإنجليزية لعام 2004) يوضح زانج يمو من هو البطل. فالبطل ليس هو الأقوى وإنما هو من يوظف قوته لصالح خير المجموع وهو الذي يوظف العنف إذا اضطر له من أجل مصالح أمته وكرامتها. وفي (بيت الخناجر الطائرة) قدم زانج يمو تنويعه أسطورية مختلفة عن البطولة والخيانة والغدر والوفاء  ، وهو ملحمة بصرية بكل معنى الكلمة. من خلال الأفلام التي قدمها يمكن القول إذن إننا بصدد مخرج حاول في أفلامه دائما أن يستلهم الأسطورة الصينية والثقافة الصينية والروح الصينية  ، ليقدم صورة معبرة واقعية وشاعرية وباهرة في أغلب الأحيان

في (بيت الخناجر الطائرة) تقع أحداث الحكاية في عهد آسرة ناتج الملكية (في الفترة من 618 آلي 907 م) وبيت الخناجر الطائرة هو اسم منظمة متمردة تهدف آلي الإطاحة بالحكم ،  لكن الآسرة الحاكمة تقف بالمرصاد لتحركات المنظمة الثورية ، وتصدر الأوامر إلى ضابطي هما ليو وجين للقبض على زعيم المنظمة. الضابط جين يتظاهر بأن يكون محاربا ثوريا ويستطيع أن يخلص العمياء شياو مي عضوة بيت الخناجر الطائرة من السجن ، ويحاول أن يكسب ثقة الفتاة ، ومن ثم يرافقها إلى المقر السري للمنظمة لكي يتمكن من سحق المتمردين ، لكن يحدث أن يقع جين في حب مي وهما في طريقهما إلى البيت السري وهو لا يدرك أن هناك مؤامرة كبيرة في انتظاره.

مثلث العشق

هذه الحكاية البسيطة والتي تنتمي إلى مثلث العشق الدرامي الخالد حيث يتصارع رجلان على فتاة على خلفية حدث تاريخي تحولت على يد مخرجنا آلي ملحمة بصرية عامرة بالحركة واللون والموسيقى والأزياء ، وتحولت أيضا بعض مشاهدها إلى دروس مهمة في فن التصوير والمونتاج (مشهد القتال بين الفتاة العمياء مي داخل القصر قبل أن تقع أسيرة) و (مشهد القتال في غابة البامبو) و (مشهد القتال في نهاية الفيلم أثناء تحول الفصول) ، في هذه المشاهد تتحول السيوف والخناجر وكأنها ريشات تعزف على أوتار روح الممثل وتصبح مكونات الصورة وكأنها لوحة موسيقية تقدم معزوفة بصرية تطرب العين وتمتع الآذن. وهناك إشارات لا بد منها للتدريب الشاق الذي خضع له الممثل ليصل إلى هذه الدرجة من ليونة الحركة وبراعة الأداء (قضت الممثلة زانج زي مدة شهرين مع فتاة عمياء لتجيد دورها)، وهناك إشارة أخرى إلى المونتاج الذي استطاع أن يتعامل مع إيقاع الصورة بهذه القدرة من المهنية والانضباط والإبداع. وهناك إشارة إلى طاقم الممثلين الرؤساء الذين استطاعوا أن يجسدوا أدوارهم بفهم وإدراك. ثم إشارة رابعة إلى توظيف المكان والزمان للتعبير عن دواخل الشخصيات وصراعاتها. قد نتوقف قليلا عند بعض المبالغات في رقصة القصر أو في طريقة رقصة البامبو القتالية لكن من المهم أن نفرق بين مجانية استعراض الجمال والجمال الموظف لتحويل الصورة الواحدة إلى عمل إبداعي توظف فيه كل العناصر الفيلمية

خصائص وتراث

إذا نظرنا من خلال المتابعة إلى الخصائص التي تميز السينما الصينية الجديدة يمكن القول إنها تتعامل مع التراث بمفهوم عصري وتتناول التاريخ بمنظور نقدي كما طرحت بشجاعة العلاقة بين الرجل والمرآة وبين السلطة والفرد وتناولت موضوعات الحب والخيانة والجنس والصداقة بجرأة لكن بأصالة ورقة وتمسك بالجذور من دون انطلاق مع انفتاح على الثقافة العالمية كما أن هذه السينما استفادت من التراث الإنساني في الشعر والمسرح والفن التشكيلي والأدب وهي لا تتعامل مع التاريخ لمجرد إبداء الحنين للماضي وإنما من أجل فهم النسيج الاجتماعي القائم وأسباب جموده مع محاولة التغيير وفي سينما زانج يمو وفي (بيت الخناجر الطائرة) يمكن القول إننا سنتعرف على الكثير من ملامح السينما الصينية المعاصرة

و (بيت الخناجر الطائرة) فيلم مميز يستحق المشاهدة، وإذا كنت من عشاق الفن السابع لا يجب أن يفوتك هذا الفيلم

عماد النويرى

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s