السينما اليابانية
بين الدعاية ومرارة الهزيمة

في عام 1951، فاز الفيلم الياباني “راشمون” بالجائزة الأولى لمهرجان البندقية السينمائي الدولي. وتركزت الأضواء آنذاك على مخرج الفيلم كيراساورا الذي أصبح أي حديث عن السينما اليابانية لا يخلو من أسمه. أو الإشارة إلى فيلمه. ومن كتابه “شيء كسيرة حياة” الذي نشرته مجلة “أميركا فيلم” في عددها الصادر في نيسان 1982.
في ذلك العدد يتحدث كيراساوا عن بداياته والذين أثروا في نشأته، وعن تجربته في عالم الأضواء والشهرة: “كنت في الثالثة والعشرين من عمري حين انتحر أخي الأكبر.. وفي السادسة والعشرين دخلت عالم السينما”.. “لم يحدث شيء مهم في حياتي في السنوات التي تفصل بين هاتين الحادثتين، ولكن قبل حادثة أنتحار أخي بقليل، كنا قد سمعنا عن موت أكبر اخواتي الذي كنا قلما نراه…”.
“في أحد أيام عام 1925، لفت انتباهي اعلان في جريدة استوديوهات أي.سي. ال، تبحث عن مساعدي إخراج…”… “وعلى كل حال وجدت طريقي إلى الاستديو، وهناك قابلت أعظم أستاذ في حياتي السينمائي ياماسان…”…”علمني ياماسان… وأظن أنه أراد أن يعلمني كل ما يعرف…”…” لم أبد أية مقاومة لسياسة اليابان العسكرية، وأعرف بأنني لم أملك لأقاوم بأية طريقة، أن هذا يجعلني الآن أخجل من نفسي…” أما عن “راشومون” فقد أستوحى كيراساوا موضوعه عن قصة قصيرة أسمها “في الاخدود” كتبها الياباني رينوسوكي اكوتاجاوا، وتحكي عن أربعة أبطال لكل واحد منهم صلة بجريمة قتل واغتصاب، ويروي كل واحد من هؤلاء الأربعة شهادته، وتسلسل الحوادث كمارآه. وترينا الكاميرا كل قصة من هذه القصص في جو معين، يختلف عن القصص الثلاث الأخرى. لم يكن “راشومون” هو أول فيلم يظفر بتقدير عالمي، وأيضاً تقدير محلي، لما أثاره الفيلم في ذهن كل متفرج ياباني، بخصوص مسألة شغلت الرأي العام في سنوات الحرب. وما بعدها، وهذه المسألة هي أن الامبراطور المقدس، قد هزم في الحرب، ومن هنا انهارت حكاية قداسته، وانهارت معها دعامة مهمة من دعائم المجتمع الياباني.
أين كانت السينما اليابانية قبل “راشون” ماهي طبيعة موضوعاتها…؟ الى أين تتجه؟
حكايات قديمة
بدأت صناعة السينما في اليابان، عام 1904، كانت بداية تتشابه في طبيعتها مع بدايات السينمات الأخرى لمختلف بلدان العالم: مجموعة شرائط تصور الأحداث المهمة، أو بعض المظاهر الاجتماعية كالأفراح والأعياد القومية وغيرها، هذا بالإضافة الى مجموعة أخرى من الشرائط تصور حكايات قديمة بطريقة بدائية، طبيعية فجة.
وفي فترة الثلاثينات، كانت هناك زيادة ضخمة، في عدد الأفلام اليابانية نتيجة انفتاح سينمائي، قامت به الصين. أمام الفيلم الياباني مما أدى الى انتهاء سيطرة الفيلم الأميركي والأوروبي.
وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية، تم تأميم صناعة السينما في اليابان، واتجه الفيلم مباشرة الى خدمة أغراض الدعاية، ففي سنة 1942 ظهر فيلم “متطوعون للموت” الذي يروي قصة الهجوم على بيرل هاربر. وعرض الفيلم في ألمانيا، ووزعه النازيون في فرنسة المحتلة، وبعد انتهاء الحرب حدث في صناعة السينما اليابانية شيء شبيه بما حدث في صناعة السينما الايطالية، وهو اكتساب رجال السينما اليابانيون الخبرة من صناعة أفلام الحرب الحكومية. وبإنتهاء الحرب تغير الوضع السياسي في اليابان، انتهى النظام القديم، وملأت قوات الاحتلال الأميركية كل مكان، ونشرت القنبلتان الذريتان الرعب والخوف. وكانت ردة الفعل للخراب الناتج عن الحرب، ولقسوة الاحتلال، وللدمار النفسي والأخلاقي هي مجموعة من الأفلام تشبه في جرأتها وتقدمها، أفضل الأفلام الايطالية التي ظهرت أيضاً بعد الحرب ومن هذه الأفلام: “الملاك السكير” (1948)، “الأحياء” (1952) و “الصورة الملوثة” (1955) ولم تتح الفرصة للغرب للحكم على المستوى الرفيع الذي بلغه الفيلم الياباني، الا من خلال المجموعة الصغيرة، التي عرضت في مهرجانات السينما العالمية في السنوات الأخيرة، والتي فتح لها الطريق فيلم “راشومون” ومن هذه الأفلام: “اوجستو” (1953)، “بوابة الجحيم” (1954) “الشيطان الذهبي” (1955).
وأدى ظهور هذه الأفلام الى تغير الفكرة العامة السائدة عن الفيلم الياباني قبل سنة 1951، وهي أن الاستوديوهات اليابانية، تخرج كمية هائلة من أفلام قليلة الأهمية ذات طابع محلي صرف.

مصادر كثيرة
الأدب الروسي يعتبر من المصادر المهمة للأفلام اليابانية، كما هو الحال بالنسبة لكثير من سينمات العالم. ربما لأن الشخصية الرومانسية للأبطال، في القصص والروايات الروسية، تنال اعجاب المخرجين، والمشاهدين، بما تعكسه من صفات عامة للشخصية الإنسانية، وما تقدمه من صورة صادقة للحياة بعلاقاتها المتشابكة.
ففي عام 1947 قدم ياماموشو فيلماً عن قصة “الحرب والسلام”-وفي عام 1951 قدم كيراساوا فيلماً آخر عن احدى قصص غوركي باسم “دوتروكو” أو “الطبقة المنتهكة للحقوق”. وعن الكاتب الألماني شيلر، قدم المخرج باستوياسو فيلماً عن رواية “اللصوص” (1955(. ومن الأدب الفرنسي، قام المخرج ميزو غوتشي بإخراج فيلم بعنوان “عذراء من أويوكي” عن رواية “كتلة الدهن” للكاتب الفرنسي “موباسان” وفي العام نفسه، قام المخرج ياماموتو بإخراج فيلم “السيمفونية الريفية” لاندريه جيد. كما تحولت رواية “نوتردام دوباري” لفيكتور هوجو – الى فيلم سينمائي.
ولم يكن الأدب الانكلو – أميركي أيضاً بعيداً عن تناول السينمائيين اليابانيين: ففيلم “العرس الدموي” مأخوذ عن “مكبث” لشكسبير، وفيلم “ميناء الضباب” عن “اناكريستي” ليوجين اوتيل.
ويمكن تقسيم الأفلام التاريخية :
- الأفلام ذات الموضوعات المعاصرة، وتعكس الصراع بين الواقع والعاطفة والمثال الكلاسيكي على هذا الصراع من يقبل بهذه الحالة عادة هو ساموراي تائه
ليلاً: مجبر على قضاء هذه الليلة عند أحد الناس، ويجد نفسه جاهزاً لمهاجمة أعز أصدقائه لصالح المضيف الذي أكرمه.
وهناك أمثلة أخرى كالعلاقة بين الرئيس والمرؤوس أو الخضوع لشخصية معينة. ومن هذه الأفلام : “أوجستو” (1953)، “وبوابة الجحيم” (1954) وهو أول فيلم ياباني ملون.
أما القسم الثاني فيشمل الأفلام التي تدور أحداثها عن الأم، أو الزوجين ومشاكل الزوجة وهذه الأفلام لا تنتهي عادة بفواجع كما هو منتظر مثل أغلب الأفلام الميلودرامية، ولكنها تنتهي بارتماء الابن، أو الابنة في حضن الأم في نهاية الفيلم، أو يكتشف الزوجان أنهما متحابان، بعد أحداث جسام، ومصائب كثيرة، ومصاعب لا تنتهي، ومن هذه الأفلام “الشيطان الذهبي” (1955). وهناك نوع آخر…. لم يجر تصنيفه، واعطائه صفة التقسيم، وهو الفيلم القيثاري، حيث تطالعنا مشاهد الطبيعة بجمالها الساحر، الذي يأخذ أشكالاً متعددة مع تغير الوصول. ومن هذه الأفلام “قيثارة من بيرمانا” للمخرج كونزا ايكبافا (1956).
سنة طيبة
“اليابان جزء صغير من الشرق، وهناك خوف من الحقيقة التي نعرفها: وهي أنك اذا أردت أن تعيش مع الغرب، يجب أن تدفع ثمناً لذلك، وهي فقدان هويتك. ان اليابانيين لم ينسوا أعوام الاحتلال ومرارة الهزيمة. انهم يثأرون، لكل لحظات الإحباط التي مروا بها.. انهم يحاربون بطريقة أخرى… يغزون أسواق العالم، ويعرفون أنهم في هذه المرة لن يخسروا…”.
الفقرة السابقة من الحوار مع المخرج الياباني ناجيزا أوشيما، مخرج فيلم “سنة طيبة يامستر لورانس”. نشرت الحوار مجلة “فيلم”. وقراءة متأنية لهذه الفقرة مرة أخرى، ربما نجد أنها تلقي الضوء على اجابة السؤال: الى أين يتجه الفيلم الياباني؟

مقال جميل
إعجابLiked by 1 person