مارلين مونرو
بين الفن والبيزنس والسياسة.
الأسطورة في ذكرى ميلادها.

رغم أنها رحلت عن دنيانا منذ أكثر من نصف قرن، تبقى مارلين مونرو رمزا للأنوثة والإغراء، وتبقى قصتها المأساوية تجسيدا للصراع الأبدي ، بين الفن والبيزنس والسياسة
هي نورما جين بيكر التي ولدت العام 1926 بالقرب من لوس انجلوس كأبنة غير شرعية، تنقلت بين دور الرعاية الاجتماعية والملاجئ، وصاحبت عمتها التي كانت تعمل مديرة لمنزل أحد الأثرياء، وهي في سن الثامنة، وتعرضت للاغتصاب وهي في سن التاسعةِ
بعد فترة تركت عمتها وأستقلت بحياتها ، ثم تزوجت من جار لها ، وهي في سن السادسة عشرة ، وكان أول ظهور لها عندما طلب رونالد ريغن (الرئيس الاميركي في ما بعد) ، قائد زوجها في الجيش ، أن يضع صور بعض الفتيات الجميلات على أغلفة المجلات الصادرة من الجيش للجنود كنوع من الترفيه ، فوضع الزوج (كان يعمل مصورا) صورة زوجته ، وكان هذا اول ظهور لها على الملأِ ، وكان من حظها وصول صورتها إلى احدى شركات الدعاية الاميركية فاتصلت بها ، وبدأت تعمل موديلا في الاعلانات، بالإضافة إلى عملها ( كومبارسا ) في السينما ، وانفصلت عن زوجهاِ ،بعد أن طال غيابه . وتروي عن نفسها أنها سعت إلى العمل السينمائي، وفي سبيل ذلك أسلمت جسدها لكل من يسهل لها الوصول إلى هدفها ، حتى حصلت على دور بارز في فيلم ‘شلالات نياغرا’ العام 1948
وحتى ذلك الوقت لم يكن هناك شيء يميزها عن كثيرات مثلها يرغبن في المال والشهرة ، وكان لابد من أسباب حتى تصنع الأسطورة

متغيرات وخبرات
مع نهاية الإربعينات وبداية الخمسينات دخلت مجموعة من المتغيرات على الحياة الأميركية , وعلى وضع أميركا في العالم ، فمن ناحية بدأ التلفزيون يغزو كل بيت وأصبحت الصورة التقليدية في السينما الاميركية من أفلام الجريمة ، ورعاة البقر صورة غير جذابة، اذ توجه الجمهور إلى صور الأبطال في المعارك الحربية ، وصور المرأة الاميركية المحافظة على بيتها ، وشرعت الشركات السينمائية في تمويل عملية تطوير التقنيات السينمائية ، فظهرت الشاشة المعروفة باسم السوبر سكوب ، وبدأت الاستعانة بالخبرات التي كانت مستخدمة في الجيش في مجال الدعاية والحرب النفسية ، إضافة إلى ظهور مراكز الأبحاث في مجال أستطلاع الرأي العامِ . وتشير بعض الدراسات إلى تغلغل مدرسة فرويد التي ترى في الجنس الغريزة الاساسية في فكر وتوجهات هوليوود، وقد أيدت مراكز الاستطلاع الرأي القائل بأن أوروبا واميركا في حاجة إلى الترفيه، خاصة الجنود العائدين من الحرب، كما أفادت هذه المراكز أن صورة المرأة المرغوبة عند الأغلبية هي الشقراء البيضاءِ
في ظل هذه الظروف كانت نورما ، أو مارلين مونرو، قد أرتبطت بعلاقة بأحد كبار الشخصيات في شركة فوكس ،الذى رشحها للقيام بدور المنقذ للسينما الاميركية وتعاقدت فوكس مع الممثلة الجديدة بعقد قيمته ألف دولار أسبوعيا ، وبدأت الشركة بإستدعاء خبراء الحرب النفسية والاعلامية الذين خرجوا من الجيش لأقناع الجميع بنموذج الجمال الجديد ، وجرى اختيار أسم جديد للبطلة الموعودة ، بحيث يكون سهلا ، وهو مارلين مونرو ، ولقب مونرو هو لقب عائلة جدتها لأمها ، وجرى أستخدام الخبرات التصويرية للفنان الانكليزي سيسيل بيتون ، الذي ابدع في عمل مجموعة من الصور للنجمة الجديدة ، سرعان ما انتشرت في كل أرجاء المعمورةِ ، كما تنتشر النار في الهشيم ، وكان هذا الهشيم ملايين من البشر التي تنتظر ظهور موديل الجمال المثير . وجرى أيضا شراء بعض الأقلام الصحفية، وأقلام بعض الكتاب للكتابة عن جميلة السينما المنتظرة، مع حجب اي مقابلات لها ، لضمان تدفق المشاهدين على السينما لمشاهدتهاِ . وقد أصر مهندسو هذا النموذج على أن يكون الموضوع هو الجسد فقط بمعنى الا يجري الترويج للجميلة المثقفة، أو الماكرة، أو الذكية، بل التركيز على الجميلة البلهاء ، التافهة

بقية قصة الاسطورة تحكي الكثير من العذابات التي عانت منها مارلين ، فغير زيجاتها الفاشلة مع لاعب بيسبول شهير ، وكاتب أكثر شهرة. وغير قصص حب أكثر فشلا مع رئيس دولة , ومدعى عام , فقد حرمت من الامومة ، وعندما قررت أن تمارس حقها أرغمت على الاجهاض، وعندما أرادت أن تعلن عن مواقفها السياسية التي لم تتلاءم والدور المرسوم لها ، جرى إخراسها إلى الابد ، وأعلن عن انتحارها أو نحرها ، وكان من تلك المواقف إعلان رفضها للموقف الاميركي من قضية الصواريخ الروسية في كوبا ، وإعلانها دعمها لقضية الحقوق المدنية للزنوج ، وتأييدها لحقوق العمال في مواجهة اصحاب الاعمالِ ، وعندما تأزمت العلاقات بينها وبين شركة فوكس التى بدأت في التشنيع عليها، وعندما ارادت أن توضح موقفها من كل ما اثير حولها، اعلنت عن إقامة مؤتمر صحفي ، وأعلنت أنها وخلال المؤتمر ستعلن حقائق محاولة اغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو ، كشفت وثائق وحامت شبهات في ما بعد عن تعاون المخابرات الاميركية والادارة الاميركية مع رجال عصابات المافيا في هذا الحادث

بيان ومداخل
كان موعد المؤتمر الصحفي الذى تم الأعلان عنه يوم 8 اغسطس عام 1962 , وقد زارها ، كما كشفت الوثائق روبرت كنيدي شقيق الرئيس الاميركي في ذلك الوقت يوم 4 من أغسطس، وتطور النقاش إلى صراع بالأيدي ، وأتصلت الخادمة بالشرطة ، ونقلت مارلين في سرية تامة إلى المستشفى ، كما جرى إخفاء الخبر حتى غادر روبرت المدينة ، ونقلت في سرية تامة إلى بيتها ، كما أخفيت جميع تقارير الشرطة عن الأعين ، وأعلن عن موتها يوم 5 اغسطس ، واعلان الخبر صباح 6 اغسطس اي قبل يومين من موعد مؤتمرها الصحفيِ . وجاءت الرواية الرسمية كالتالي:
في يوم 5 أغسطس العام 1962 ، جرى العثور على النجمة السينمائية الاسطورة مارلين مونرو ميتة في فراشها وهي تمسك بإحدى يديها سماعة التلفون ، وبجانبها علبة فارغة من أقراص كانت تتعاطاها لمعالجة الإكتئاب الذي أصيبت به في أيامها الاخيرةِ ، وبعد تحقيق قصير أستنتجت شرطة لوس انجلوس أن سبب الوفاة يرجع إلى جرعة زائدة من الأقراص المهدئة التي يبدو أنها تناولتها بغرض التخلص من حياتها
المداخل إلى حكاية مارلين مونرو كثيرة، ويمكن الاقتراب منها من أكثر من زاوية ، لكن لعل أكثر المداخل قربا ، وأكثر الزوايا وضوحا ، هو تداخل السينما أحيانا مع السياسة ، واستغلال كل منهما للآخر
السياسة رسمت لمارلين دورا محددا لا يخرج عن صورة الأنثى الجميلة المغرية الشهوانية المثيرة، وذلك لتغيير نمط الأبطال والبطلات، ولإرضاء العسكرِ
والسينما أخذت من السياسة الثمن: الدعم والتسهيلات الائتمانية ، والاستثمارات التي حظيت بها شركة فوكس من وراء تزويج مارلين بأرثر ميلرِ
أرادت مارلين أن تخرج عن الدور المرسومِ ، أرادت ان تكون نفسها بعد ان وجدت نفسها . لكن في حسابات البيزنس ، وفي حسابات السياسة أيضا ليس من السهل الخروج عندما ترغب في ذلكِ
وكان على مارلين أن تدفع الثمنِ

في مثل هذه الأيام ، وبالتحديد في الأول من يونيو 1926 ، ولدت مارلين مونرو ,التى أصبحت بعد موتها المرأة الأكثر جمالًا على مر الزمن ، وواحدة من أكثر الشخصيات شهرة على مر التاريخ . وكلما جاء يونيو نجد بعض ملامح الأسطورة بين دفاتر الايامِ
عماد النويرى




مدونة خاصة معنية بنقد الأفلام والكتابة عن كل شؤون السينما