ريش الرمز والحلم

لقطة من الفيلم

نعم كما للعنف جماله، للقبح جماله، وللفقر جماله. والجمال نسبي تختلف قوانينه عبر المكان والزمان. ومن البديهيات، أن قوانين العلم ثابتة، لكن قوانين الفن متطورة، ومتغيرة  

في البدء يمكن أن نتفق مع من أراد الاتفاق علي أن أي فيلم مهما كان نوعه، هو متوالية بصرية سمعية في سياق درامي، تأتينا في حيز مناسب، بلغة بها متعة، من أجل إثارة المشاعر لتوصيل رسالة ما، سواء رسالة اجتماعية أو سياسية أو تعليمية أو جمالية أو حتى (تسلوية  ). وكان ذلك في سالف العصر والأوان، فمنذ قرون رد صامويل جولدوين أحد مؤسسي الشركة العتيقة مترو جولدن ماير على دعاة مذهب الواقعية الاشتراكية في الفن، وقال لهم: من يرغب في استلام رسائل فليذهب إلى صناديق البريد!. ولا يعني ذلك أبدًا التقليل من الواقعية بمدارسها المختلفة سواء السحرية منها، أو تلك التي بلا ضفاف  

لغة مراوغة

ونتذكر ونعلم أنه بعد الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، تم إهدار دم السياقات الدرامية المتماسكة كلها علي مذابح الحداثة، كما تم تشويه جمال اللغة الفنية مع سبق الإصرار والترصد، اعتمادًا على أنه من غير المنطقي أن نعبر عن قبح العالم الذي أفني أكثر من ٦٠ مليونا من البشر دون وجه حق، بلغة فنية جميلة!. كما أن اللغة أصلا لم تعد أمينه في نقل مشاعرنا، وإنما هي لغة مراوغة، تساعد على إخفاء حقيقتنا، أكثر مما تحاول الكشف عن دواخلنا. ونادت الكثير من المدارس الأدبية والفنية في الفن التشكيلي، والرواية، والسينما بداية من التعبيرية وحتى الدوجما، بالعودة إلى أستخدم الرمز بكارة اللغة، واستخدام البناء الحلمية (الأحلام) لأنها الأصدق في التفسير، والتوضيح، والتعبير، بدلًا من الأبنية الأوسطية المنهكة والمتهالكة. وأصبح المجد للرمز والحلم. ويا لها من رموز صعبة في فيلم (ريش) ويا له من بناء حلمي يقترب أحيانًا إلى حافة الأبنية الكابوسية التي قد تحتار في تفسيرها  

ورطة كبيرة

في (ريش) الذي تتعدد مستويات قراءاته هناك حكاية واقعية، لا تفتقد الخيال، عن زوجة قنوعة، ومستسلمة، ومسكينة، ومقهورة، وخاضعة، تربي أولادها الثلاثة، وتجتهد في ذلك إلى أن يتحول زوجها إلى دجاجه علي يد ساحر جاء ليقدم فقرة مسائية في احتفال الأب بعيد ميلاد ابنه. تجد الزوجة نفسها في ورطة كبيرة دون عائل، وبعد معاناة كبيرة يظهر الزوج، وهو فاقد للحركة تمامًا، وتنتهي الحكاية بأن تقتل الزوجة زوجها قتلا رحيما، وتعاود الحياة من أجل تربية أولادها، ولايخلومشهد من مشاهد الفيلم من عد النقود، فقد أصبحت هي الدافع والمحرك لأصحاب الحكاية لكي يتحركوا      

حكايات خيالية

وفي (ريش) أيضا حكايات خيالية لا تفتقد للواقعية، عن أصوات غريبة في بداية الفيلم وكأن هناك شخصا يتم تعذيبه بقسوة، ولا نعرف من هو، ومن يقوم بتعذيبه، كما يوجد شخص آخر يحترق. هل يمكن تأويل تلك الأصوات ومشهد الحريق في البداية لتذكيرنا بمشهد احتراق بوعزيزي في تونس في بدايات ما يسمى بالربيع العربي؟!. وهل يمكن إرجاع أصوات التعذيب إلى التذكير بحالات قهر المواطن في كل مكان؟! وهل لذلك صلة بالعثور علي الزوج المفقود في قسم البوليس وهو في حالة شلل تام رغم الادعاء أنه تم العثور عليه ضمن المشردين.؟! وهل تحول الزوج إلي دجاجة وقتله في نهاية الفيلم، هو أشعاره إلى مرحلة انتهاء العصر الذكوري الأبوي، وأعاده الاعتبار إلى المرأة الزوجة والأم، والانتصار لها؟! وما هي دلالة ظهور القرد فوق العربة التي تقل الأسر ة فجأة ودون مقدمات وكأنها محاكاة وتذكير للمشهد الافتتاحي لفيلم (أوديسا الفضاء) لستانلي كوبريك؟! ومن أين تأتي تلك الرياح الرمادية العاصفة التي تهاجم البيت بين الحين والحين وكأنها أشباح تأتي من قاع الجحيم.؟! وعندما ذهبت الزوجة إلى المستشفى البيطري لعلاج زوجها (الدجاجة) ما هي دلالة وجود كل هذه الحمير في الساحة الخارجية؟ والتي ربما كانوا أصلي من بني البشر وجاءت أيضا للعلاج بعد أن تم تحويلها؟  

في ريش (الحكاية والسيناريو) أذن يختلط الواقع بالخيال، وينفتح الباب علي مصراعيه أمام الرمز وتأويلاته المختلفة. وعندما تشاهد الفيلم لا تسأل عن أي منطق للأحداث. 

ولا تبحث أيضا عن إجابات للأسئلة. فقط عليك أن تفكر، وأن تتأمل، فالرمز في بطن الصورة، والمعنى في بطن الفيلم    .

شخصيات رمزية  

وفي ريش (الفن) لا تبحث عن مخرج يستعرض عضلاته في استخدام مفردات لغته السينمائية، وإنما هو يستخدم كل شيء بقدر محسوب، حتى في استخدامه للأغاني والمؤثرات الصوتية، هو لا يرغب في إثارتك عَاطِفِيًّا، ولا يرغب في تعاطفك الوقتي مع شخصياته، لذلك جاء الأداء التمثيلي باردا ليتناسب وتجسيد شخصيات رمزية ليس لها أسماء أو هوية. ومن المحتمل أن تجد صعوبة في التوقف عند محطات تميز في التصوير، عدا بعض اللقطات الخارجية. ومن النادر أن تجد لقطات مقربة، فكل المشاعر محايدة، وردود أفعال الشخصيات تحرص علي دفعك للإحساس بالملل الذي يتم توظيفه في إيقاع الفيلم ككل   

———————-

في (ريش) أفكار ورموز كثيرة، تمت صياغتها من خلال رؤية فنية مهمومة بتقديم شكل مختلف. ومن المؤكد أن السينما في مصر تحتاج إلى كل الأشكال والأساليب التي تتجاوز المألوف، من أجل سينما أفضل  

عماد النويرى

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s