
المكارثية التي بدأت العام 1947 ، واستمرت لمدة عقد من الزمان ، شكلت إحدى المراحل الأكثر ظلمة في تاريخ هوليوود، ونستطيع القول إنه مع بدايات العام 1950 أصبح جوزيف ريموند مكارثي النائب الجمهوري في الكونجرس الأمريكي من أشهر الشخصيات العامة في فترة بلغت فيها شكوك المعادين للشيوعية أوجها لتأثرهم بالتوترات الناتجة عن الحرب الباردة . وقد ذاعت شهرة مكارثي نتيجة ادعائه بوجود عدد كبير من الشيوعيين، والجواسيس السوفيت، والمتعاطفين معهم، داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية. ويذكر أنه عند توزيع جوائز الأوسكار ال 71 لم يهدأ الجدل منذ أن أعلنت أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية أنها قررت تكريم المخرج العالمي الأمريكي ذي الأصول اليونانية، أيليا كازان ، ومنحه (أوسكار) شرفيا علي مجمل أعماله وكانت الأكاديمية، قد اتخذت قرارها بإجماع أعضاء مجلسها الإداري البالغ عددهم 39 عضوا قائلة إن قازان هو أحد المخرجين الأكثر إبداعا خلال القرن، مشيدة بإنتاجه الذي غير طبيعة الإخراج السينمائي ذاتها. وقد اتخذت الأكاديمية قرارها بعد أن قام الممثل كارل مالدين الذي عمل مع قازان بالدفاع عن المخرج بحماس شديد أمام مجلس الإدارة، وقد اتخذ الموقف ذاته الممثل شارلتون هيوستن المعروف بميوله المحافظة وكانت أغلب الآراء، تقول إن الأوسكار الفخري مكافأة يستحقها كازان بجدارة، وهو ينتظرها منذ زمن طويل. فهو أحد مؤسسي معهد التمثيل الشهير، واستديو الممثل الذي تخرج منه أجيال من الممثلين الأمريكيين، أمثال مارلون براندو، وبول نيومان، كما يعتبر قازان من أشهر مخرجي المسرح والسينما في الولايات المتحدة. وغير ذلك كله فإنه قد ترشح للفوز بالأوسكار كأفضل مخرج ثلاث مرات وفاز بها مرتان عامي 1947و1954. ومن أفلامه الشهيرة يمكن ذكر: عربه اسمها اللذة وفيفازاباتاوعلي رصيف الميناء وشرقي عدن النهر المتوحش وامريكاامريكا والزائران وآخر العمالقة، وغيرها من الأعمال التي تمثل مجموعة من أهم كلاسيكيات السينما العالمية. إلا أنه ورغم كل هذه الإنجازات فإنه يبقي، ومن وجهة نظر منتقديه، مجرد واش ساهم في تدمير الحياة المهنية والشخصية لعدد من زملائه عندما كشف عن أسمائهم أمام لجنة مكارثي… وقد قالت رنارد غوردون أحد كتاب السيناريو الذين وردت أسماؤهم علي اللائحة السوداء للفنانين والمثقفين الذين منعتهم لجنة مكارثي من العمل: عندما ستعطي أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية مكافأة لمجمل أعماله سيبدو الإنجاز الأكبر في حياته أنه ساهم في أحد أخطر الانتهاكات للحريات المدنية في هذا البلد. وتسبب بما فعله في خراب الكثير من البيوت العامرة. أما المخرج ستيفن سبيلبرج فعلق على الموضوع بقوله: قد أكون غير موافق على القرار الذي اتخذه قازان بالوشاية بزملائه، لكن بالنسبة لي لا يغير هذا الأمر شيئا بالنسبة إلي أفلامه
في حفل تسلمه للأوسكار الشرفي عام 1999، أنقسمت الصالة إلى قسمين ، وكان هناك من رحب وصفق بحرارة مثل ميريل ستريب، وهيلين هنت، وروبرت دي نيرو. وكان هناك من صمت وجلس في مقعده دون حراك مثل إد هاريس، ونيك نولت. أتصور أنه مهما كانت قيمة إسهامات كازان للسينما العالمية، ومهما كانت درجة عبقريته السينمائية، ومهما كان حجم وعدد المؤيدين والمعجبين . فإن فعل الوشاية في حد ذاته هو فعل لا أخلاقي، وروح الفن في الأصل أخلاقية… والأخلاق لا تتجزأ.
ولنا في ذلك عظات وعبر
عماد النويرى