السقوط

مشاهدات

  في ( السقوط )   

وجهه نظر متعاطفه ..  وشويه حنيه !!  

هذا فيلم آخر من أفلام التاريخ . والتاريخ هو ما حدث بالأمس ،  وهو ما يحدث ألان .

 هذا فيلم آخر عن هتلر الذي أقام الدنيا  ، وعندما أقعدها ،  كانت هناك ملايين من البشر تتألم  ، وتهاجر ،  وتعانى  ، وتقتل  ، وتذهب ضحية مجانية لطموحه  ، وعقله  ، وجنونه  . .

هتلر في الذاكرة  هو ذلك  القائد العسكري الطويل ,  ذو الشارب القصير  ,  الذي يجمع حوله مئات الجنرالات الذين يستمعون أليه باهتمام ,  إضافة إلى   مئات بل ألوف العسكر الذين يرفعون أياديهم للأمام  ، وهم يؤدون التحية في صوت جهوري ( هاى هتلر )  . وهتلر في علم النفس هو ذلك اليتيم المتيم الذي عوض افتقاده للحب وهو صغير بقتل كل المشاعر الطيبة عند كل المقربين اليه . وهو ذلك القائد المصاب بجنون العظمة  ، ذلك الجنون الذى زين له ان باستطاعته آن يجعل الألمان هم سادة أوروبا ,  بل سادة العالم ,  وليس كل الألمان ,  وانما فقط كل من يجرى في عروقه الدم الآري . وهو أيضا ذلك الإمبراطور الذي احرق نفسه بعد أن قام بإشعال الحريق الكبير في العالم أبان الحرب العالمية الثانية . وكما صورته العلوم العسكرية فإنه يعتبر  واحدا من أكبر ( سواهى ) و( دواهي )  التاريخ  ، وانه كان يتمتع بالفطرة بموهبة الكر والفر  . وكما صورته السياسة فانه مراوغ  كبير  ,  وواحد من أهم الذين أسسوا ومارسوا الديكتاتورية كأسلوب حياة  , وأسلوب حكم ,  في التاريخ المعاصر . وكما صورته الأفلام فهو واحد من أهم الشخصيات الدرامية العامرة بالضوء والظلال ,  بالحضور والغياب ,  بالحياة والموت . في شخصية هتلر تكمن التناقضات والصراعات ,  تلك الصراعات التي ادت إلى واحدة من أكبر الحروب في تاريخ البشر ,   هذه الحرب التي غيرت  بعد انتهائها الأفكار والثقافات ,  بل ملامح الحياة كلها . ولكل هذه الأسباب قدمت السينما ،  ومازالت تقدم ،   الصور والشهادات والأفلام عن حياة هتلر وكان منها  ( داون فول ) أو( السقوط ) من

إخراج  الألماني اوليفر هيرشبيجل . وهو من أهم الأفلام التى أنتجت في ألمانيا ،  وآلتي تتخذ هتلر كشخصية محورية . وقصة الفيلم مبنية على مذكرات سكرتيرته تراودل جونج والتى جسدت دورها فى الفيلم الكساندرا ماريا لارا  .وكما يبدو  فقد كانت السكرتيرة مغرومة بزعيمها إلى حد كبير .

الفيلم ( القصة والسيناريو ) يرسم صورة واقعية وخيالية لما حدث في الأيام الأخيرة من حياة هتلر ,  ويعنى ذلك أن الفيلم سيصور حتما هتلر وهو فى قمة الانهيار   ,  مع التركيز على التفاصيل الصغيرة والدقيقة لحياة كل المقربين اليه بدايه من وزيره المخلص غوبلز وزوجته التى تدس السم لأطفالها في برود  , وحتى تلك القصص الدرامية الصغيرة التى تتناول حياة الناس فى برلين المتهاوية ابان القصف الروسي الأحمر . القصة آذن تعتمد على وقائع اقرب ماتكون إلى  الحقيقة مع بعض التصرف الفنى  ,  لكن حتى نهاية الفيلم أنت  في حالة حيرة من أمرك وأنت في إختيار صعب ففي نهاية الفيلم من المهم أن تخرج وأنت تلعن هذا الدكتاتور الذي تسبب في إراقة دماء ملايين البشر ,  والذي ضحى بشعبه كوقود لحرب طويلة ومريرة  ،  وعندما طلب منه الاختيار بين مجده الشخصي ،  وبين حياة وحرية الشعب ، كان اختياره واضحا ،  وفضل الموت بعد أن دفع بشعبه إلي أبواب الهلاك والدمار . ورغم ان الفيلم قدم لنا هتلر فى صورة مهزوزة  , ومضطربة ,  وفاقدة للسيطرة وهو يظهر فى لحظاته الأخيرة أقرب الى الجنون ,  فان كل معطيات السيناريو وظفت من وجهة نظرى لتصور سقوط هتلر بطريقة تؤكد تعاطف السكرتيرة ،   وتعاطف كاتب السيناريو ,  وأيضا تعاطف المخرج مع االدكتاتور الكبير . فى الفيلم ظهر هتلر حنونا في عز قسوته ,  ومنطقيا في عز اضطرابه ,  وكبيرا في دفاعه عن وطنه ,   ثم نبيلا وعزيزا في اختياره لطريقة موته  . في الفيلم تأتينا أغلب الأحداث من وجهة نظر متعاطفة كثيرا مع الزعيم النازي  .  وهنا نتوقف عند إحدى إشكاليات الكتابة التاريخية ،  تلك الإشكالية التى تضعنا فى مواجهة بعض الاسئلة التى واجهتنا وتواجهنا عندما نتعامل مع  شخصيات التاريخ مثل صلاح الدين ،  والملك فاروق والملكه نازلى ،  وكليوباترا وغيرها .  من يكتب التاريخ ؟ وكيف نكتبه ؟!

في الفيلم ( الفن ) أستطاع الممثل برونو غانر أن يقدم  درسا مهما في  فن التمثيل وكان قادرا طوال الفيلم على الاستحواذ على انتباهنا  ،  واستطاع ببراعة أن ينقل لنا  العالم الداخلي لهتلر في تلك المرحلة المهمة في حياته واستطاع أيضا آن ينقل لنا أدق التفاصيل النفسية قبل رحيله بساعات . وجسدت الكساندرشخصية السكرتيرة تراودل ببراعة  ، وكان هناك نوع من الانسجام والتالف بين أداء مجموعة  الممثلين الذين جسدوا بقية الشخصيات . وهناك إشارات لابد منها لنجاح المخرج في أعاد تخليق الأجواء المصاحبة لهذه الفترة التاريخية من خلال اختيار مواقع التصوير أعاد ما يلزم من بناء الأماكن الحقيقية آلتي دارت فيها الأحداث . كما ان هناك إشارة أيضا الى الموسيقى التصويرية آلتي صاحبت الأحداث  بكل تعرجاتها وكانت مهمة ومعبرة .

رغم كل التحفظات الفنية والتاريخية فإن ( السقوط ) هو واحد من  أهم الأفلام التى  صورت بعض الايام  من حياة هتلر ومزجت  الروائي بالتسجيلي ,  ونجحت في تقديم معالجة مرئية عامرة بفن التمثيل وفن التشكيل .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s