محفوظ والسينما

لا تقل أهمية وجود نجيب محفوظ في السينما عن أهمية وجوده في أدبنا المعاصر ، فهو أول اديب عربي يكتب للسينما حيث بدأ العام 1945، وكان أول أفلامه «مغامرات عنتر وعبلة» ، وبعدها كتب سيناريو فيلم «المنتقم» العام 1947، وان ظهر فيلم «المنتقم» العام 1947 قبل فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» الذى تأخر ظهوره لأسباب إنتاجية حتى العام 1948، والفيلمان من إخراج صلاح ابوسيف. كما أن نجيب محفوظ أكثر الادباء المصريين اعمالا في السينما «59 فيلما» ، حتى العام 1988 وأكثرهم تنوعا في إسهاماته ما بين سيناريو أو قصة ، أو قصة وسيناريو معا ، أو إعداد سينمائي. كما أن الأفلام التي كتب لها السيناريو ، أو القصة ، أو اخذت عن أعماله الأدبية لها مكانة خاصة في تاريخ السينما المصرية ، وتاريخ السينما العربية بشكل عام، ويعود ذلك لسببين أولهما أنها كانت غالبا من إخراج أفضل المخرجين المصريين أمثال صلاح ابوسيف ، يوسف شاهين ، كمال الشيخ ، عاطف سالم ، حسام الدين مصطفى ، حسن الامام وحسين كمال، وثانيهما أنها كانت تمثل لدى كل مخرج أفضل أفلامه ، أو على الاقل من أفضلها.

أهمية خاصة

ومن مخرجي الجيل التالي الذين أخرجوا أفلاما لأعمال نجيب محفوظ – وكان لأفلامهم اهمية خاصة – اشرف فهمي ، علي بدر خان ، عاطف الطيب وسمير سيف. ، ولم يكن غريبا بعد ذلك أن نجد من بين أحسن مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية أحد عشر فيلما من الأفلام التي كتب لها نجيب محفوظ السيناريو أو القصة أو هما معا وستة افلام من الافلام التي اخذت عن رواياته، فيكون المجموع 17 فيلما من المائة ومن هذه الافلام «لك يوم يا ظالم» و«ريا وسكينة» و«الوحش» و«جعلوني مجرما» و«بداية ونهاية» و«خان الخليلي» و«اهل القمة» وغيرها. ويمكن ان نضيف الى هذه القائمة مجموعة اخرى من الافلام التي ظهرت بعدها مأخوذة عن أعمال نجيب محفوظ وأشاد بها النقاد ومنها «السكرية» و«الحب تحت المطر» و«الكرنك» و«أهل القمة» و«الشيطان يعظ» و«ايوب» و«الحب فوق هضبة الهرم» وغير كل ذلك فان اهمية وجود نجيب محفوظ في السينما لا تقل عن اهمية وجوده في غير السينما لكونه هو الاديب الوحيد الذي ارتبطت وظيفته ارتباطا مباشرا بالسينما منذ عام 1959 حتى احالته على المعاش عام ، 1971 واتيح له بذلك أن يترك اثرا قويا في هذا الحقل حيث عمل مديرا للرقابة ثم مديرا لؤسسة دعم السينما ورئيسا لمجلس ادارتها ، ثم رئيسا لمؤسسة السينما ، ثم مستشارا لوزير الثقافة لشؤؤن السينما .

ثلاث مجموعات

وتنقسم أ فلام نجيب محفوظ الى ثلاث مجموعات الاولى هي الافلام التي كتب لها مباشرة السيناريو او القصة او هما معا او شارك في كتابة السيناريو لها مع آخرين والثانية هي الافلام التي اخذت عن رواياته والثالثة هي الافلام التي اخذت عن قصصه الادبية القصيرة المنشورة.كان من الملاحظ دائما وفي مجمل الأعمال «المحفوظية» أن هناك بعض السمات المشتركة التى تميز هذه الافلام واول هذه السمات في ما يخص الديكور فاغلب الافلام تدور داخل الحواري والأزقة والمكان في هذه الأفلام ليس مجرد مساحة من الفراغ تتحرك داخله الشخصيات ، وإنما هو شخصية حية بما له من تاريخ وتقاليد تترك بصماتها على الاحداث والشخصيات، فضلا انه يحدد الجو العام للفيلم، وكما نجد في روايات نجيب محفوظ الاولى ما يحمل اسماء المكان الذي تدور فيه احداث الرواية نجد ايضا من عناويين هذه الافلام «درب المهابيل» و«فتوات الحسينية» و«بين القصريين» و«قصر الشوق» وغيرها.

شخصيات مطحونة

وبالنسبة إلى الشخصيات التي يقدمها محفوظ في افلامه نجدها في الاغلب شخصيات مطحونة جائعة للمال كما في «النمرود» وجائعة للجنس كما في «شباب امراة» ومدفوعة للجريمة كما في «احنا التلامذة» وهي ايضا شخصيات ضعيفة تبحث عن حل لها كما في «الهاربة» وفي بحثها عن الحل تخطئ الطريق غالبا كما في «الفتوة».وشخصية المجرم تحتل مكانة بارزة في هذه الافلام وتجري معالجتها من أكثر من زاوية من أجل صورة واضحة لطبيعة الجريمة وطبيعة المجرم في ملابسات اجتماعية معينة ، ورأينا ذلك في أفلام مثل «ريا وسكينة» و«الوحش» و«جعلوني مجرما».

وإذا كانت الواقعية يحددها من الناحية الشكلية الديكور والمظهر الخارجي للشخصيات، ويحددها من حيث أسلوب المعالجة وطريقة سرد الاحداث، فان أفلام نجيب محفوظ حافظت على الواقعية في اختيار الديكور واختيار الشخصيات، كما كانت تربط دائما بين تصرفات الافراد والظروف الاجتماعية عدا «لك يوم يا ظالم» و«ريا وسكينة» حيث يبدو الشرير مجرما بطبعه مما يهبط بمستواهما الى الطبيعة التي تمثل المستوى الادنى من مستويات الاتجاة الواقعي.ولا يكاد يخلو فيلم من أفلام نجيب محفوظ من نقد أو توجيه اجتماعى، ويكفي من الفيلم ان يبرز لنا العوامل التي أدت إلى الانحراف ليكون فيه التوجيه الكافي لاجتنابه كما في «احنا التلامذة».

سمات ومبالغات

ومن سمات أفلامه أيضا مبالغات في التعبير عن المآسي ، والسماح للصدفة بدور كبير في الاحداث وان كانت هذه السمة باهتة في بعضها ، الا انها اظهر ما تكون في «لك يوم يا ظالم» و«الهاربة» و«جعلوني مجرما» ، بحيث يمكن أعتبارها من أفلام الميلودراما اصلا.ومع كل ذلك يمكن القول أن جميع الافلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ خلال الستينات على رغم نجاحها التجاري ، وعلى رغم سعادته بها ، وعلى رغم الجهد الواضح في ارتباطها بالنص ، لم تكن امينة تماما في ترجمتها ، حيث كانت تخرج دائما عن روح النص بدرجات متفاوتة ، يستثنى منها تجربتان رائدتان في هذا المجال هما فيلما «بداية ونهاية» و«خان الخليلي» ، وكان طبيعيا أن يكون الفيلمان من إخراج أثنين سبق لهما التمرس بأعمال نجيب محفوظ وافكاره فالأول من اخراج صلاح ابوسيف والثاني من اخراج عاطف سالم

عماد النويرى

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s