كازانوفا
العاشق الصعلوك
وسيره لا تنتهى .
كتابه عماد النويرى

كازانوفا ( 1725-1798 ) واسمه الحقيقي جان كازانوفا دى سينيالت أوحى إلى العديد من الموسيقيين والمسرحيين ثم إلى السينمائيين في القرن العشرين بعشرات الأعمال الفنية , ونذكر بالنسبة إلى السينما فيلم فللينى ( كازانوفا – فللينى ) ، الذى ضمنه المخرج الإيطالي المعروف ، الكثير من هواجسه وأحلامه . وفى العام 2005 صدرت نسخه سينمائية جديده ، تتناول قصة من قصص العاشق الصعلوك ، هوفيلم ( كازانوفا ) ، الذى عرض في مهرجان فينسيا السينمائي في العام ذاته , للمخرج السويدي لاس هالستروم . والفيلم الأخير هو أول عمل سينمائي يتناول الشخصية / الأسطورة في القرن إلحادي والعشرين، وبطاقم تمثيل أميركي وبريطاني , وبميزانية ضخمة لمواجهة تكلفة اجواء فينسيا القرن الثامن عشر . هذه الأجواء التى تظهر مدينه فينسيا بشوارعها الضيقة , ومبانيها التاريخية , وقنواتها المائية الشهيرة .

مغامرة نسائية
الملامح الأساسية لشخصية كازانوفا يمكن التعرف عليها من خلال كتاب ( حكاية حياتي ) الذى صدر للمرة الأولى العام 1823 , اى بعد ربع قرن تقريبا من موت كازانوفا الحقيقي , وقيل أن كازانوفا كتبه خلال السنوات الأخيرة من حياته , وقيل أيضا ان مؤلفه الحقيقي هو ستاندال الكاتب الفرنسي الذى لم يكف عن إبداء إعجابه بشخصية العاشق الإيطالي الشهير , وقيل أيضا أن ثمة مخطوطا للكتاب وجد في قصر في لايبزج أجمع الباحثون على أنه من كتابة كازانوفا نفسه .في كل الأحوال فإن كتاب ( حكاية حياتي ) ، يروى لنا جانبا من فترة الطفولة ، قبل أن يصبح بطلنا في الثامنة من عمره حينما بدا يراقب الناس , ويرصد أحوال المجتمع من حوله بفضول شديد , ومع الأيام يبدا كازانوفا في البحث عن دور له بعد ان ترسله جدته التي كانت تتولى أمر تربيته إلى بادوفا ليدرس , وهناك يلتقى حبه الأول الحسناء باتينا التي ما ان يهيم بها حتى يكتشف ان لديه غريما تفضله عليه ، فلا يكون منه الاأن يوحى إلى الناس أن الفتاة ممسوسة وهكذا يبتعد الغريم لتكون أول مغامرة نسائية حقيقية في حياته وتكون في الوقت ذاته بداية لسلسة طويلة من المغامرات التي تروى في الكتاب , تلك المغامرات التي وضعت بطلنا في موضع الخطر كما في موضع لوم المجتمع وانتقاده لكن كازنوفا وهو يروى حكايته يؤكد ان هذه المغامرات قد أعطته حريته , وان تلك الحرية التي استقاها من الحدود القصوى للمغامرة كانت هي ما مكنه من ان يتعامل مع المجتمع بحرية , والنظر اليه دائما بتهكم وسخرية . عاش كازانوفا متنقلا بين عواصم أوروبا وقصور سادتها الكبار بعدما عاش أولا متنقلا بين المدن الإيطالية ثم الفرنسية واستطاع ان يرصد المجتمعات واهلها واذا اضطر للحديث عن عيوبه ومساوئه الشخصية كان نصيرا حقيقيا للصدق , وميالا بشكل حقيقي الى مناصرة الجمال والطيبة , وفى حكايته الطويلة يروى لنا كازانوفا واثناء مغامراته مؤامرات القصور , ومناورات الكواليس , وطموحات الرجال , وغرور النساء في أوروبا النصف الثاني من القرن الثامن عشر . أوروبا التى كانت تعيش واحدة من اغرب المراحل الانتقالية في تاريخها .
شاعر وفيلسوف
في فيلم ( هالستروم ) نستطيع القول أننا بصدد كازنوفا جديد , شاعر , وفيلسوف وعاشق ولهان , يتعذب في الحب بل يخلص لمحبوبته حتى الموت , ويفعل المستحيل من اجل ان يكسب ثقتها . آما تلك المحبوبة الى تدفعه الى طريق الاستقامة والكف عن المغامرات العاطفية فهى الكاتبة فرنشيسكا برونى باعتبارها المرآة الوحيدة التى تصده وترفضه , بل وتقول له انه نموذج مجسد لكل ماترفضه في الرجال . وينتهى الفيلم نهاية سعيدة بالتوفيق بين الحبيبين رغم كل مايعترضهما من متاعب , الا ان الفيلم يشير من خلال كتابة تظهر على الشاشة الى ان فصولا اخرى أعقبت هذا الفصل الخاص بعلاقة كازانوفا بفرانشسكا , وهو مايعنى أن كازانوفا ربما يعود ليحكى لنا مغامرة جديدة من مغامراته التى لاتنتهى
عاشق كبير
الفيلم (السيناريو ) ومنذ البداية لا يلتزم بالخطوط العريضة لمذكرات كازانوفا وانما يقتطع فترة قصيرة من حياته ويقتطع أيضا مغامرة تقول مقدمة الفيلم ان صاحبها ربما يكشف عنها للمرة الأولى . وبجانب شخصية كازانوفا يقترب بنا السيناريو من بعض الشخصيات التى صاحبت كازانوفا في حياته مثل الخادم لوبو وتيتو حبيب الام كما يركز السيناريو أيضا على صناعة الكثير من المفارقات التى تحول الأحداث في بعض المشاهد الى كوميديا راقية .
والفيلم (السيناريو ) لا يقدم كازانوفا كمؤرخ اجتماعي كبير , و كفيلسوف مكتشف للحياة بحلوها ومرها , وانما يقدم كازانوفا كعاشق كبير يملك القدره على الحب وعلى الإخلاص لمحبوبته . والى حد كبير استطاع الفيلم ان يقدم لنا توليفة تجمع بين الحقيقي والمزيف , وتمزج الواقع بالخيال , وتخلط الكوميديا بالتراجيديا . لكن في النهاية تنتصر إرادة الحب أمام محاكم التفتيش .
إشارات
وفى الفيلم ( الفن ) ينجح المخرج ( هالستروم ) في التحكم في مفردات لغته السينمائية ليقدم لنا صورة فخمة ومبهرة لأزياء عصر بأكمله , واستطاع ومن خلال اختياره وادارته للممثلين تقديم منظومه ادائية متجانسة ومتفهمة لطبيعة الأحداث , ونجح هيث ليدر ان يجسد شخصية كازانوفا الى حد كبير , وتألقت سينا ميلر فى دور فرانشيسكا برونى , ونجح اوليفر بلات في تقمص شخصية تاجر شحم الخنازير بابرتزو . وهناك إشارات أيضا الى الإضاءة آلتي تم توظيفها لتلائم اجواء الاحداث و الى الموسيقى التصويرية التى تناغمت مع بهجة الصورة وقوتها .
فيلم ( كازنوفا ) رغم انه قدم قدرا صغيرا من سيرة ذاتية كبيرة لواحد من اشهر عشاق التاريخ المعاصر الا انه استطاع ان يقدم لنا ساعة ونصف من المتعة الفنية والتسلية الراقية .
